يُعد الزعفران من أندر وأغلى النباتات في العالم، ويُلقب بـ"الذهب الأحمر" نظرًا لقيمته الاقتصادية العالية واستخداماته المتعددة في الطبخ والعلاج. ومن خلال الابتكار الزراعي، أصبح الزعفران السعودي اليوم جزءًا من قصة نجاح ملهمة في مجال الزراعة المستدامة والابتكار في المملكة.
على الرغم من أن الزعفران لم يكن من المحاصيل التقليدية في الأراضي السعودية، إلا أن السنوات الأخيرة شهدت اهتمامًا متزايدًا من الباحثين والمزارعين السعوديين بتطوير تقنيات زراعية لزراعة الزعفران في بيئات محمية، بما يتماشى مع رؤية المملكة 2030 في تعزيز الأمن الغذائي وتعظيم الاستفادة من الموارد المحلية.
في قلب هذه الثورة الزراعية، تأتي مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية (كاكست) كمحفز رئيسي، حيث نجح الباحثون في تطوير تقنيات زراعة مبتكرة تمكن من زراعة الزعفران في بيئات محمية باستخدام أنظمة الزراعة العمودية و الإضاءة الصناعية.
حيث تعتمد هذه التقنيات على مبادئ علمية متقدمة في التحكم البيئي و إدارة الموارد، حيث يتم إنشاء بيئة محكمة تمامًا تضمن أقصى درجات التحكم في العوامل المؤثرة على النمو مثل الحرارة، و الرطوبة، و الضوء، و التهوية.
الزراعة العمودية تعني استخدام طبقات متعددة من النباتات على مساحة صغيرة، مما يسمح بزيادة كثافة الزراعة وبالتالي رفع الإنتاجية دون الحاجة لمساحات واسعة. هذا يساهم في تقليل استهلاك المياه واستخدام موارد الأرض بكفاءة أكبر.
أما الإضاءة الصناعية، فهي لا تقتصر على إضاءة النبات فحسب، بل تعتمد على استخدام أطوال موجية محددة للضوء لتحفيز نمو الزعفران بشكل أسرع. الضوء الأزرق يُستخدم لتحفيز النمو النباتي، بينما الضوء الأحمر يساعد على تحفيز الإزهار، وهو أمر بالغ الأهمية في عملية إنتاج الزعفران، الذي يتطلب ظروفًا مثالية للزهور.
تعمل أنظمة التحكم الدقيقة على محاكاة الظروف المناخية المثلى لنمو الزعفران في مناطق أخرى حول العالم، بما في ذلك درجة الحرارة المثلى التي تتراوح بين 18 إلى 22 درجة مئوية، و الرطوبة التي تتراوح بين 60% إلى 70%.
هذا التكامل بين التقنيات الحديثة والعلم البيئي يساعد على تقليل المدة الزمنية اللازمة لنمو الزعفران من أسابيع إلى أيام قليلة، حيث يتم تسريع عمليات النمو والتمايز عبر توفير العناصر الغذائية المطلوبة وتنظيم التفاعلات البيئية. وبالتالي، لا يقتصر الأمر على تقليل الزمن، بل على زيادة الإنتاجية والارتقاء بكفاءة العملية الزراعية بشكل غير مسبوق.
من خلال هذه الابتكارات العلمية، تساهم المملكة في تحقيق اكتفاء ذاتي من الزعفران، مما يعزز دورها في توطين الزراعة، ويضمن استدامة الإنتاج الزراعي في بيئات صحراوية، مما يتماشى مع رؤية السعودية 2030 في تعزيز الابتكار الزراعي وتطوير قطاعات غير نفطية
يُتوقع أن تشهد صناعة الزعفران السعودي قفزة نوعية في السنوات القادمة، لا سيما مع تزايد الاهتمام العالمي بالمنتجات الطبيعية والمستدامة. ستؤدي تقنيات الزراعة المحمية والابتكارات في الزراعة الذكية إلى تعزيز قدرة المملكة على إنتاج الزعفران بجودة عالية، وبالتالي تقليل الاعتماد على الاستيراد، وتحقيق اكتفاء ذاتي في هذه الصناعة الرفيعة.
ومع دعم الدولة لهذا النوع من الابتكارات الزراعية من خلال مشاريع مثل كاكست، سيصبح الزعفران السعودي منتجًا ذا سمعة عالمية، ويمثل قوة اقتصادية جديدة للمملكة. هذا يساهم بشكل مباشر في تحقيق رؤية السعودية 2030، التي تركز على تنمية القطاعات غير النفطية وتعزيز قدرات المملكة في المجالات التقنية والزراعية.
الزعفران السعودي ليس مجرد محصول نادر، بل هو رمز للابتكار والقدرة على تحويل التحديات إلى فرص. ومع استمرارية البحث والتطوير في هذا المجال، فإن الزعفران السعودي سيرتقي إلى مراتب جديدة في الصناعة الزراعية العالمية، مما يعزز من مكانة المملكة كداعم رئيسي للاستدامة والإبداع الزراعي.
المراجع: