زراعة الأنسجة النباتية

هل تخيّلت يومًا أن نباتًا كاملًا يمكن أن ينمو من خلية واحدة فقط؟ بدون بذور، وبدون تربة، وبدون أشعة شمس مباشرة؟ كيف يمكن لقطعة صغيرة من ورقة أو طرف جذر أن تتحول في أنبوب زجاجي إلى شتلة خضراء، ثم إلى آلاف النسخ من نفس النبات؟ هذه ليست خيالًا علميًا، بل هي حقيقة تعرف باسم زراعة الأنسجة النباتية، إحدى أعظم تقنيات التقنية الحيوية الزراعية، والتي غيرت مفاهيم الزراعة والإكثار والتكاثر في عالم النبات.


بدأ الإنسان منذ القدم يحاول إكثار النباتات بالطرق التقليدية: بالبذور، بالعقل، بالتطعيم. لكن هذه الطرق لها حدود، وأحيانًا تحمل الأمراض، وتحتاج إلى وقت ومساحة. ومن هنا، ظهرت الحاجة إلى طريقة حديثة تستغل قدرة الخلية النباتية على إنتاج نبات كامل إذا توفرت لها الظروف المناسبة، وهي خاصية تُسمى التمايز الكامل (Totipotency).


زراعة الأنسجة هي ببساطة استخدام جزء صغير من نسيج نباتي، يُسمى الإكسبلانت explant، مثل طرف ورقة أو جذر، ثم زراعته في وسط غذائي معقم يحتوي على العناصر والهرمونات التي تحفز نمو الخلايا وانقسامها. ومع مرور الوقت، يبدأ هذا الجزء الصغير في الانقسام والتمايز ليُشكّل براعم، جذور، وفي النهاية نباتًا كاملًا.


لماذا زراعة الأنسجة مهمة جدًا؟

لأنها تتيح لنا:

  • إنتاج آلاف النباتات المتطابقة وراثيًا من نبتة واحدة.
  • الحصول على نباتات خالية من الأمراض والفيروسات.
  • الحفاظ على النباتات النادرة والمهددة بالانقراض.
  • توفير نباتات في غير موسمها وبكميات ضخمة.
  • إنتاج مركبات طبية من خلايا النباتات.


خطوات زراعة الأنسجة باختصار:

  1. اختيار النسيج: جزء صغير من نبات مرغوب.
  2. تعقيمه: لمنع الفطريات والبكتيريا.
  3. زراعته في وسط غذائي: يحتوي على سكر، أملاح، فيتامينات، وهرمونات.
  4. تحفيز الانقسام: تبدأ الخلايا في الانقسام لتكوّن كتلة (كالوس).
  5. تكوين الأعضاء: باستخدام الهرمونات، يتكوّن الجذر والساق.
  6. نقل النبات للتربة: بعد تعويده تدريجيًا على البيئة الخارجية.


الهرمونات النباتية: المفتاح السري لنمو الأنسجة

بدون الهرمونات، لا تنمو الأنسجة. إليك أهم الهرمونات المستخدمة، ودور كل منها:

  1. الأوكسينات (Auxins)
    أشهرها IAA و NAA و IBA.
    دورها: تحفيز نمو الجذور وتكوين الكالوس (الكتلة الأولية من الخلايا).
  2. السيتوكينينات (Cytokinins)
    أشهرها BAP و Kinetin.
    دورها: تحفيز انقسام الخلايا وتكوين البراعم والسيقان.
  3. الجبريلينات (Gibberellins)
    دورها: تطويل السيقان، وتسريع نمو النبات في المراحل النهائية.
  4. حمض الأبسيسيك (ABA)
    دوره: إبطاء النمو في مراحل معينة وتحفيز نضج الأجنة.


المعادلة الذهبية:

  • أوكسين مرتفع + سيتوكينين منخفض = جذور
  • أوكسين منخفض + سيتوكينين مرتفع = براعم
  • توازن بينهما = كالوس Callus


أنواع زراعة الأنسجة:

  • زراعة الخلايا: من خلية واحدة.
  • زراعة الكالوس: من كتلة خلايا.
  • زراعة الميرستيم: لإنتاج نباتات خالية من الفيروسات.
  • زراعة الأجنة: لإنقاذ بذور فاشلة.


تطبيقات مذهلة

  • إكثار نخيل التمر، الموز، البطاطس.
  • إنتاج نباتات دوائية.
  • الحفاظ على النباتات النادرة.
  • دعم الأبحاث الوراثية والهندسة الجينية.


التحديات

  • الحاجة لمختبرات معقمة وتقنيات دقيقة.
  • احتمال ظهور طفرات غير مرغوبة.
  • تكلفة أولية مرتفعة، لكنها تُعوّض بالإنتاج الكبير.


الخلاصة

زراعة الأنسجة النباتية ليست مجرد تقنية، بل هي ثورة زراعية صامتة تعيد تعريف طرق التكاثر والإنتاج النباتي. إنها تمنحنا القدرة على صنع الحياة من الخلية، وتحقيق الأمن الغذائي، وحماية الطبيعة، والتقدّم في البحث العلمي، لتبقى النباتات دومًا جزءًا من المستقبل الأخضر.


المراجع:


https://biologynotesonline.com/plant-tissue-culture

 

https://greenfue.com

 

https://planting.mawdoo3.com

 

https://www.sciencefacts.net

 

https://www.almrsal.com