التقنية الحيوية

 

منذ آلاف السنين، قبل أن تُكتشف الميكروبات أو تُعرف أسرار الوراثة، استخدم الإنسان الكائنات الحية في تحسين غذائه دون أن يعلم أنه يمارس ما نُطلق عليه اليوم التقنية الحيوية. عندما صنع أول رغيف خبز مخمر أو قطعة جبن، كان يوظف الكائنات الدقيقة مثل الخميرة والبكتيريا في تحويل المواد الخام إلى أغذية ذات نكهة وفائدة غذائية أفضل. هكذا بدأت التقنية الحيوية التقليدية، ورافقت الإنسان في صناعته للخبز، الجبن، الزبادي، وحتى المشروبات المخمرة.

لكن التطور الحقيقي بدأ مع الثورة العلمية. ففي القرن السابع عشر، اكتشف أنطوني فان ليفينهوك الكائنات الدقيقة باستخدام الميكروسكوب، ثم توالت الاكتشافات إلى أن جاءت ثورة الحمض النووي في القرن العشرين. مع اكتشاف الحمض النووي (DNA) وفهم آلية الوراثة، دخلت التقنية الحيوية مرحلة جديدة، وأصبحت علمًا دقيقًا يجمع بين الأحياء والكيمياء والهندسة.




ما هي التقنية الحيوية؟

التقنية الحيوية هي استخدام الكائنات الحية أو أجزاء منها (مثل الخلايا أو الجينات) بهدف إنتاج مواد مفيدة أو تحسين خصائص الكائنات أو تطوير تطبيقات طبية وصناعية وزراعية. إنها علم تطبيقي يستفيد من البيولوجيا والتكنولوجيا لتحقيق منافع في الغذاء، الصحة، الزراعة، البيئة، بل وحتى الطاقة.




أهمية التقنية الحيوية

التقنية الحيوية تمس حياتنا اليومية أكثر مما نتخيل:

  • في الغذاء: في الخبز، الجبن، الزبادي، والأطعمة المعدلة وراثيًا.
  • في الصحة: في إنتاج اللقاحات، الأنسولين، أدوية السرطان.
  • في الزراعة: في المحاصيل المقاومة للجفاف والآفات.
  • في البيئة: في معالجة مياه الصرف وإزالة التلوث.
  • في الصناعة: في إنتاج الإنزيمات والمنظفات الحيوية.
  • في الطاقة: إنتاج الوقود الحيوي من النباتات والطحالب.

لا يكاد يوجد مجال من مجالات الحياة إلا وله ارتباط مباشر أو غير مباشر بالتقنية الحيوية.




أنواع التقنية الحيوية (وفروعها)

يمكن تصنيف التقنية الحيوية إلى عدة أنواع رئيسية حسب المجال، ولكل منها تطبيقات فريدة:

  1. التقنية الحيوية الطبية (الحمراء)
    تعنى بإنتاج الأدوية واللقاحات، الهندسة الوراثية للبشر، العلاج الجيني، والخلايا الجذعية.
    مثال: إنتاج الأنسولين البشري عن طريق بكتيريا معدلة وراثيًا.
  2. التقنية الحيوية الزراعية (الخضراء)
    تستخدم لتحسين المحاصيل، إنتاج نباتات مقاومة للآفات، والحيوانات المعدلة وراثيًا.
    مثال: القمح المعدل وراثيًا لتحمل الجفاف.
  3. التقنية الحيوية الصناعية (البيضاء)
    تركز على استخدام الكائنات لإنتاج مواد صناعية مثل البلاستيك الحيوي والإنزيمات والمنظفات.
    مثال: إنتاج الإنزيمات الصناعية لتفكيك النشا في صناعة الأغذية.
  4. التقنية الحيوية البيئية (الرمادية)
    تستخدم الكائنات في تنظيف البيئة مثل إزالة التلوث أو معالجة المياه.
    مثال: بكتيريا تستهلك النفط في تنظيف البحار من التسربات النفطية.
  5. التقنية الحيوية البحرية (الزرقاء)
    تستغل الكائنات البحرية لإنتاج أدوية ومواد جديدة.
    مثال: اكتشاف مضادات حيوية من الإسفنج البحري.
  6. التقنية الحيوية السوداء وهي التي تتعلق بالحروب البيولوجية وانتاج مسببات الأمراض.




أهم علماء التقنية الحيوية

  1. أنطوني فان ليفينهوك – أول من شاهد الكائنات الدقيقة.
  2. لويس باستير – أثبت دور الكائنات الدقيقة في التخمير، وابتكر التعقيم ولقاحات للأمراض.
  3. جريجور مندل – مؤسس علم الوراثة بقوانينه عن توريث الصفات.
  4. جيمس واتسون وفرانسيس كريك – اكتشفا التركيب الحلزوني للحمض النووي عام 1953.
  5. هيربرت بوير وستانلي كوهين – طورا أول كائن معدل وراثيًا، وأطلقا الهندسة الوراثية.




التقنية الحيوية الحديثة

مع التطور السريع، ظهرت تقنيات حديثة مثل:

  • CRISPR أداة لتعديل الجينات بدقة عالية.
  • الطباعة الحيوية ثلاثية الأبعاد: لطباعة أنسجة وأعضاء حيوية.
  • الذكاء الاصطناعي في التقنية الحيوية: لتحليل الجينات وتصميم أدوية بسرعة.
  • البيولوجيا التركيبية: لتصميم كائنات حية جديدة بصفات محددة.




الخلاصة

التقنية الحيوية بدأت بصناعة الخبز والجبن، لكنها اليوم أصبحت ثورة علمية تشكّل مستقبل الغذاء والصحة والبيئة والطاقة. هي علم متعدد الفروع والوجوه، يجمع بين الطبيعة والعقل البشري لصنع حلول ذكية لحياة أفضل. ومع التقدم، ستبقى التقنية الحيوية عنصرًا أساسًا في كل ما نأكل، نلبس، نعالج، ونستخدم، بل ربما تكون الأساس لحل مشاكل كبرى مثل الجوع، التلوث، ونقص الموارد.


المراجع:

https://www.alfaisalsci.com

 

https://ksupress.ksu.edu.sa/

 

https://faculty.ksu.edu.sa/

 

https://www.vision2030.gov.sa/